الخلافة الراشدة: عهد النقاء والفتوحات

تمثل الخلافة الراشدة الحقبة الأولى من الحكم الإسلامي بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم. استمرت من عام 11 هـ (632 م) حتى عام 41 هـ (661 م) وشهدت توسعًا هائلًا للدولة الإسلامية ونشر الإسلام في مناطق شاسعة من العالم. حكم خلالها أربعة خلفاء يُعرفون بالراشدين، وهم أبو بكر الصديق، عمر بن الخطاب، عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم، وكانوا مثالًا في العدل والزهد والتضحية في سبيل الإسلام.

أسماء الخلفاء الأربعة منقوشة على عملة من عهد الجلائريين



1- خلافة أبي بكر الصديق (11-13 هـ / 632-634 م)

بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، اجتمع الصحابة في سقيفة بني ساعدة لاختيار خليفة له، وتمت مبايعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه. كانت خلافته مليئة بالتحديات، حيث ارتدت بعض القبائل عن الإسلام وادعى بعض الأشخاص النبوة، مما استدعى منه اتخاذ قرارات حاسمة.

حروب الردة

واجه أبو بكر الصديق رضي الله عنه موجة من الردة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، حيث رفضت بعض القبائل دفع الزكاة، بينما ادعى بعض الأفراد النبوة مثل مسيلمة الكذاب في اليمامة وسجاح التميمية. فكانت أول قراراته هي توحيد صفوف المسلمين وإعلان الحرب ضد المرتدين.

  • معركة اليمامة (12 هـ / 633 م): كانت من أعنف المعارك، حيث قادها خالد بن الوليد رضي الله عنه ضد جيش مسيلمة الكذاب، وتم القضاء عليه واستعادة استقرار الجزيرة العربية.
  • حملات العراق والشام: أرسل أبو بكر الصديق جيوشه بقيادة خالد بن الوليد لفتح العراق، كما أرسل جيشًا بقيادة أبي عبيدة بن الجراح ويزيد بن أبي سفيان لفتح بلاد الشام.

وفاته

بعد عامين من الحكم، مرض أبو بكر الصديق رضي الله عنه وتوفي عام 13 هـ، تاركًا الأمة في يد خليفته عمر بن الخطاب رضي الله عنه.


2- خلافة عمر بن الخطاب (13-23 هـ / 634-644 م)

عرفت خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالقوة والعدل، وكانت فترة حاسمة في توسع الدولة الإسلامية، حيث شهدت فتوحًا كبرى، بالإضافة إلى إصلاحات إدارية وتنظيمية جعلت منه أحد أعظم القادة في التاريخ الإسلامي.

الفتوحات الإسلامية

  • فتح بلاد فارس (16 هـ / 637 م): انتصر المسلمون في معركة القادسية بقيادة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، مما أدى إلى انهيار الإمبراطورية الفارسية.
  • فتح القدس (15 هـ / 636 م): بعد انتصار المسلمين في معركة اليرموك، سار عمر بنفسه إلى القدس وتسلم مفاتيحها بسلام.

الإدارة والتنظيم

أدخل عمر نظام الدواوين، وأنشأ التقويم الهجري، ونظم القضاء، مما ساهم في ترسيخ الدولة الإسلامية على أسس إدارية قوية.

اغتياله

تعرض عمر للطعن على يد أبو لؤلؤة المجوسي عام 23 هـ أثناء صلاته، مما أدى إلى استشهاده بعد حياة مليئة بالإنجازات.


3- خلافة عثمان بن عفان (23-35 هـ / 644-656 م)

اتسمت خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه بالرخاء الاقتصادي، واستمرار الفتوحات، إلا أنها انتهت بفتنة كبرى أدت إلى مقتله.

أهم الإنجازات

  • تدوين المصحف العثماني: أمر بجمع القرآن الكريم في مصحف موحد وإرساله إلى الأمصار.
  • التوسع الجغرافي: امتدت الفتوحات إلى أرمينيا وأذربيجان وشمال إفريقيا.

الفتنة الكبرى واغتياله

أدت النزاعات الداخلية إلى محاصرة عثمان في داره وقتله عام 35 هـ، مما أشعل الفتنة في الأمة الإسلامية.


4- خلافة علي بن أبي طالب (35-40 هـ / 656-661 م)

شهدت خلافته صراعات داخلية بين الصحابة بسبب مقتل عثمان رضي الله عنه.

أبرز الأحداث

  • معركة الجمل (36 هـ): وقعت بينه وبين السيدة عائشة وطلحة والزبير رضي الله عنهم.
  • معركة صفين (37 هـ): ضد معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، وانتهت بالتحكيم.

استشهاده

تم اغتياله على يد عبد الرحمن بن ملجم عام 40 هـ، لينتهي بذلك عهد الخلافة الراشدة.

الخاتمة

كانت الخلافة الراشدة نموذجًا في العدل والحكم الصالح، ولكنها انتهت بسبب الفتن الداخلية، مما مهد الطريق لقيام الدولة الأموية.


المصادر

  • ابن كثير، "البداية والنهاية"، دار الفكر.
  • الطبري، "تاريخ الأمم والملوك"، دار المعارف.
  • ابن الأثير، "الكامل في التاريخ"، دار الكتب العلمية.
  • الذهبي، "تاريخ الإسلام"، مؤسسة الرسالة.