كيف تحولت فلسطين على الخرائط لإسرائيل في ظرف 7 عقود فقط؟
قبل 76 عاماً لم يكن هناك وجود لدولة اسمها إسرائيل على خارطة العالم.
خرائط
العالم الصادرة في تواريخ سابقة لعام 1948 كانت تحمل في قلبها اسم فلسطين
للدلالة على المنطقة الواقعة غرب نهر الأردن شرق المتوسط. مع إعلان قيام الدولة
الإسرائيلية بدأت الخرائط تتغير، ومعها الديمغرافيا والتاريخ والرواية.
ما قبل 1947
مع نهايات القرن التاسع عشر، ومع ظهور الحركة الصهيونية وبدء هجرة يهود أوروبا نحو فلسطين، ثم لاحقاً انهيار الإمبراطورية العثمانية، وبدء الانتداب البريطاني، الذي التزم الوفاء بوعد بلفور لعام 1917 الذي نص على إقامة "وطن قومي للشعب اليهودي" على أرض فلسطين، بدأت المستوطنات اليهودية الجديدة بالتشكل في شمال ووسط وساحل فلسطين.قرار التقسيم حتى حرب حزيران
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، قررت بريطانيا تسليم زمام الأمور للأمم المتحدة، التي بدورها اقترحت عام 1947 تقسيم فلسطين إلى دولتين، واحدة يهودية والأخرى عربية، على أن تصبح القدس وبيت لحم مدناً تحت إدارة دولية. وافق الجانب اليهودي على الخطة، في حين رفضها الجانب العربي.
في 14 أيار/ مايو 1948، عشية انتهاء الانتداب البريطاني، أعلنت القيادة اليهودية في فلسطين إنشاء دولة إسرائيل، التاريخ الذي يؤرخ للنكبة الفلسطينية، حيث قامت إسرائيل بارتكاب المجازر وتهجير السكان الأصليين من الفلسطينيين ومصادرة أراضيهم وبيوتهم وممتلكاتهم.
مع الإعلان عن قيام إسرائيل دخل حلف من أربعة جيوش عربية (مصر وسوريا والعراق والأردن) في حرب معها عرفت بحرب تحرير فلسطين.
انتهت الحرب عام 1949 بهدنة مع هذه الدول، وبضم إسرائيل كامل النقب والجليل وشمال فلسطين والساحل باستثناء غزة التي دخلت تحت السيطرة المصرية، في حين أصبحت القدس الشرقية والضفة الغربية تحت السيطرة الأردنية.
رفضت الدول العربية الاعتراف بإسرائيل.
ما بعد حرب حزيران 1967 (النكسة)
لكن الت غيير الأكثر جذرية على الخرائط حدث في أعقاب حرب حزيران/يونيو 1967 حين استطاعت إسرائيل احتلال كافة الأراضي الفلسطينية (الضفة الغربية وقطاع غزة) وكذلك سيناء والجولان، وبذلك اكتملت السيطرة الإسرائيلية على كامل الأراضي الفلسطينية، وبدأت المستوطنات الإسرائيلية بالظهور في كل أراضي فلسطين التاريخية.
استمر التوسع الاستيطاني طوال العقود التالية مدعوماً بقرارات حكومية متعاقبة وسياسات هدفها فرض أمر واقع على الأرض، يجعل من إمكانية قيام دولة فلسطينية عملية شبه مستحيلة، وهذا ما أدى لنقل الخرائط من مرحلة إلى مرحلة جديدة مع تآكل مستمر ومتواصل للسيادة الفلسطينية على أراضيها.
لم يكن هذا التحول جغرافياً فقط، بل كان مرفقاً بحملات دبلوماسية وإعلامية هدفت لترسيخ رواية معينة عن التاريخ والجغرافيا، جعلت الكثيرين حول العالم ينسون حقيقة وجود دولة فلسطين على تلك الأراضي.
ما بعد أوسلو
بقي الأمر على حاله إلى أن عادت القضية الفلسطينية للبروز من جديد مع الانتفاضة الأولى عام 1987 وما تبعها من مسار سياسي انتهى بتوقيع اتفاق أوسلو عام 1993، والذي أدى لإنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية ككيان إداري مؤقت يتولى إدارة مناطق الحكم الذاتي في الضفة الغربية وقطاع غزة. كانت هذه المرة الأولى التي يظهر فيها كيان فلسطيني معترف به دولياً منذ عام 1948.
لكن مع ذلك، استمرت السياسة الإسرائيلية في التوسع الاستيطاني وفرض وقائع جديدة على الأرض، إلى أن وصلت لمرحلة الإعلان الأمريكي على لسان الرئيس ترامب في ديسمبر 2017 الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إليها، ما عدّه الفلسطينيون نهاية لحل الدولتين.
واليوم، أصبحت خرائط العالم التي كانت تشير لفلسطين قبل 76 عاماً تشير الآن لإسرائيل، مع وجود خجول للضفة الغربية وقطاع غزة، ومستوطنات إسرائيلية تقضم هذه الأراضي يوماً بعد يوم.
مستقبل القضية الفلسطينية
لا يمكن التكهن بمستقبل القضية الفلسطينية على وجه الدقة، لكن الواضح هو أن عملية التهويد والمصادرة التي جرت على مدى العقود السبعة الماضية قد أوجدت واقعاً معقداً وشائكاً على الأرض، يستدعي حلاً عادلاً وشاملاً يعترف بحقوق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة.الخرائط هي انعكاس للواقع السياسي والاقتصادي والجغرافي، لكنها أيضاً جزء من الرواية التاريخية التي تكتبها الشعوب عن نفسها. وفي الحالة الفلسطينية، تبقى هذه الخرائط شاهداً على التغيرات الكبيرة التي شهدتها المنطقة، وعلى النضال المستمر للشعب الفلسطيني من أجل حقوقه التاريخية.