قصة يوم الطين
عاشق و معشوقة -عذاب و الم
الحادثة حصلت في زمن ملوك الطوائف أين كانت الاندلس في آخر أيامها مشتتة دويلات في يد ملوك و سلاطين لم يجلبو لها الى الضياع و الخراب و الاحزان ..
-*- اللقـــاء
حينها
كان محمد بن عبّاد – و هو ابن السلطان ” الطاغية “ المعتضد بالله – ملكا لإشبيلية في زمن ملوك الطوائف
كان وزيره و صديق عمره ابن عمار شاعراً لبقا حاله حال جميع أهل الزمان
و مرة من المرات كانا يمشيان على ضفة النهر في مكان اسمه مرج الفضة ، و بينما هما يمشيان .. هبت نسمات خفيفة حركت مياه النهر فالتمعت ،
و كان الملك محمد ابن عباد وصديقه ابن عمار معتادان على أن يبدأ أحدهما بإنشاء شطر من الشعر و يكمل الآخر الشطر الثاني فينسجان الأبيات سويةً.. فحين رأى محمد منظر الماء عندما تحرك
قال :(( صنع الريح من الماء زرد … )) ثم قال أكمل يا ابن عمار
فسكت ابن عمار و أخذ يفكر بالشطر الثاني ، و بينما هما يمشيان كان ابن عمار يكرر الشطر ولا يستطيع إكماله و كان على ضفة النهر جارية تغسل فسمعت الشطر و ردّت مكملة للبيت : (( أي درع لنحور لو جمد .))
فسمعها محمد و التفت و حين وقعت عيناه عليها ، أعجبه جمالها و منطقها و سرعة بديهتها
و حين سألها عن اسمها اجابته : اعتماد
فسألها : من سيدك ؟
فقالت : الرُّميك ..
فأرسل الأمير جوارٍ و نسوة يخطبنها له و يحملنها إليه زوجة ، فتزوجها و كان متيماً بها ،
فكان هذا البيت من الشعر سبب سعدها وشقائها فيما بعد..
بعدما توفي أبوه المعتضد أصبح هو الأمير ، و كان مرة جالساً معها فقال لها : صيغي لي من اسمك إسماً .. فسمّته المعتمد .و أصبح معروفاً بالمعتمد ابن عباد .
-*- الحادثة
عاشت معه أجمل حياة وكان لا يردُ لها طلباً ، و يوماً من الأيام كانت على نافذة جناحها ، و رأت الجواري بائعات اللبن ينادين (لبن .. لبن ) و قد كشفن عن سيقانهن و أخذن يلعبن الطين بأرجلهن فحنّت اعتماد لأيامها كجارية و شدها الشوق اليها
و رغبت في أن تلعب بالطين كما السابق
و قالت للمعتمد : أشتهي أن أفعل فعلهن أنا و جواريّ
فقال لها : كيف و أنت ملكة ..
لكنه لم يرد أن يرد طلبها فأرسل في طلب أنواع مختلفة من الطيوب و البخور و العود و المسك و الكافور و أمر أن يمزج بماء الورد ليصبح على هيئة الطين و فرشه لها في باحة القصر و نزلت اعتماد و جواريها فشمّرن عن سوقهن .. و أخذن يلعبن بالطيوب و يتمرغن فيها
و قد كلّف ذلك الخزينة أموالا طائلة و ادى الى غضب و سخط العامة من الناس
لكن المعتمد لم يكن ليكسر بخاطر حبيبته اعتماد ..فحقق لها مرادها و سمي حينها ذلك اليوم بيوم الطين ..
-*- نهاية المعتمد و خليلته –الرمكية– إعتماد
كان المعتمد بن عباد قد فزع من ابن تاشفين الذي اسس دولة المرابطيين و بدات تتوسع ان ينزعه الملك فكتب الى (ألفونسو ) يطلب نصرته ..
و عندما علم ابن تاشفين بما فعله المعتمد و كانت هذه بمثابة خيانة وارتماء في احضان العدو الصلبي ضده
حشد جنده الي اشبلية.. و قاتل “المعتمد بن عباد” الذي ما لبث ان استسلم على ان يؤمن دمه و دم عياله من القتل. و مع ذلك قتل اثنين من أولاده.. و يقال ثلاث على يد المرابطين ..
و كانوا كلهم ابناءه من زوجته الرمكية “اعتماد”.
أسره ابن تاشفين ..مع من بقي من عياله و اخرجه ذليلا على مشهد و مرأى من الناس ..منفيا الى بلاد المغرب
غير انه عقابه اشد العقاب لطلبه “النصرة من الرومي” و قتاله اياه ..
فنفاه الى اقصى بلاد المغرب.. الى مدينة اغمات على بغلة يركبها هو و زوجته “اعتماد”.. بينما حرس المرابطين يركبون الأحصنة..امعانا في ذله.. و اسكنه في بيت وضيع بدائي في المدينة.. وو ضع عليه حارسا غليظا.. وقيد رجليه في الحديد حتى لا يخرج من البيت.. و لم يكتفي بذلك بل منع عنه المال و الأقوات.. فأصبح بناته حفاة عراة.. يغزلون الغزل و يبعنه في الأسواق.. ولا يجدن من يشترونه.. و اصبح الناس يتصدقون عليهم بالمال و الطعام و الملابس
وفي هذه الأيام أيام الذل يقال ان المعتمد غاضبها (أي اعتماد) فقالت لم أرى منك خيرا قط فقال: ولا يوم الطين؟! فبكت واعتذرت.
و ماتت اعتماد فلم تتحمل الذل..
وحزن المعتمد عليها حزنا شديدا.. و مات بعدها بثلاثة أشهر حزنا و كمدا عليها
و دفنا كلاهما في” مدينة اغمات ..جنوب المغرب..”.
.و هذه الابيات التي قالها المعتمد رثى نفسه يوم العيد و هو في الأسر
فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا *** فساءك العيد في أغمات مأسورا
ترى بناتك في الأطمار جائعة *** يغزلن للناس مـا يملكـن قطميـرا
برزن نحوك للتسليم خاشعة *** أبصارهن حسيـرات مكاسيـرا
يطأن في الطين والأقدام حافية *** كأنها لم تطـأ مسكـاً و كافـورا
لا خدّ إلا ويشكو الجدب ظاهره *** وقبل كان بماء الورد مغمورا
لكنه بسيـول الحـزن مُختـرقٌ *** وليس إلا مع الأنفاس ممطـورا
أفطرت في العيد لا عادت مساءتـه *** فكـان فطـرك للأكبـاد تفطيـرا
قد كان دهرك إن تأمره ممتثـلاً ***فـردك الدهـر منهيـاً ومأمـورا
من بات بعدك في ملك يُسَرُّ بـ ..***فإنمـا بـات بالأحـلام مغـرورا
و الصورة التالية تبين قبر المعتمد و اعتماد و الذي شيد سنة 1970 في المغرب في أغمات و قد كتب في الجدارية أحدى أشعاره
الشعر هو :
قبر الغريب سقاك الرائح الغادي***حقا ظفرت بأشلاء ابن عبادِ
بالحلم، بالعلم، بالنعمى إذا اتصلت***بالخصب إن أجدبوا، بالري للصادي
بالطاعن الضارب الرامي إذا اقتتلوا ***بالموت أحمر، بالضرغامة العادي
بالدهر في نقم، بالبحر في نعم***بالبدر في ظلم، بالصدر في النادي
نعم، هو الحق وحاباني به قدر ***من السماء، فوافاني لميعادِ
ولم أكن قبل ذاك النعش أعلمه ***أن الجبال تهادى فوق أعوادِ
كفاك فارفق بما استودعت من كرم ***رواك كل قطوب البرق رعّاد
يبكي أخاه الذي غيبت وابله ***تحت الصفيح، بدمع رائح غادِ
حتى يجودك دمع الطل منهمرا *** من أعين الزهر لم تبخل بإسعادِ
ولاتزل صلوات الله دائمة ***على دفينك لا تحصى بتعدادِ