تشهد الساحة العالمية سباقاً جيوسياسياً محموماً للسيطرة على العناصر الأرضية النادرة، وهي معادن حيوية تشكل العصب الفقري للثورة التكنولوجية المعاصرة. تتغلغل هذه الكنوز المعدنية في كل ما هو حديث، من الهواتف الذكية والسيارات الكهربائية فائقة التطور إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي المعقدة والطائرات المقاتلة المتقدمة.
مع التزايد المطرد في الطلب العالمي على تقنيات الطاقة النظيفة والبنى التحتية الرقمية، تحولت هذه العناصر من مجرد خامات إلى مورد استراتيجي لا تقل أهميته عن النفط الخام في تحديد موازين القوى الدولية.
هيمنة الصين ونفوذها الجيوسياسي
وفقاً لأحدث البيانات الصادرة عن هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية (USGS)، تتربع الصين بلا منازع على عرش الاحتياطي والإنتاج العالمي. تمتلك الصين احتياطياً هائلاً يقدر بنحو 44 مليون طن متري، كما أنها استخرجت وحدها حوالي 270 ألف طن في عام 2024.
لا يقتصر نفوذ بكين على الإنتاج، فهي تسيطر على أكثر من 70% من الإمدادات العالمية وتتولى معالجة نحو 90% منها. هذا التحكم شبه الكامل يمنحها ورقة ضغط اقتصادية وجيوسياسية بالغة الأهمية على المستوى الدولي.
متنافسون جدد يعيدون تشكيل الخريطة
على الرغم من الهيمنة الصينية، بدأت خريطة الموارد تتغير مع ظهور اكتشافات ضخمة جديدة. تشير التقارير إلى احتياطيات معتبرة في دول مثل فيتنام (21.6 مليون طن)، البرازيل (20.4 مليون طن)، وروسيا (20.4 مليون طن).
أما المفاجأة الكبرى فتأتي من جمهورية الدومينيكان، التي يُعتقد أنها قد تمتلك احتياطيات تصل إلى 100 مليون طن. وإذا ما تم تأكيد هذا الرقم، الذي لا يزال تقديرياً (وفقاً لموقع DailyGalaxy)، فسيكون كفيلاً بإحداث زلزال في سوق المعادن النادرة وإعادة رسم شاملة لخريطة النفوذ العالمية.
أكبر الاحتياطيات العالمية من العناصر الأرضية النادرة:
- جمهورية الدومينيكان: 100 مليون طن (تقديرات غير مؤكدة)
- الصين: 44 مليون طن
- فيتنام: 21.6 مليون طن
- البرازيل: 20.4 مليون طن
- روسيا: 20.4 مليون طن
- النرويج: 8.8 ملايين طن
- الهند: 6.9 ملايين طن تقريباً
- الولايات المتحدة: 1.9 مليون طن
- غرينلاند (الدنمارك): 1.5 مليون طن (غير مستغل غالباً)
- السويد: 1 مليون طن
الاستقلال الغربي والتحديات البيئية
تعكس هذه الأرقام واقعاً جديداً يدفع الدول الغربية نحو تعزيز استقلاليتها في هذا القطاع. ففي غرينلاند (التابعة للدنمارك)، تلوح فرص تعدين هائلة لجعل الجزيرة مصدراً موثوقاً للإمدادات الغربية. وبالمثل، تسعى الولايات المتحدة بقوة لتعزيز إنتاجها ومعالجتها محلياً، حيث أعاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تفعيل أمر تنفيذي يهدف إلى تحقيق "الاستقلال في العناصر النادرة" لأسباب اقتصادية وأمنية مباشرة.
ويحذر الخبراء من أن الاعتماد المفرط على الصين يمثل نقطة ضعف استراتيجية يمكن استغلالها في أي مناوشات تجارية أو سياسية، الأمر الذي يسرّع من وتيرة البحث عن بدائل.
مع ذلك، لا يخلو هذا التوجه من تحديات بيئية جسيمة؛ فعمليات استخراج ومعالجة هذه المعادن مكلفة بيئياً، إذ تتضمن استخدام أحماض ومواد مشعة بالإضافة إلى استهلاك كثيف للمياه.
توقعات المستقبل: ضاعفوا الطلب
تتوقع وكالة الطاقة الدولية (IEA) ارتفاعاً حاداً في الطلب على هذه العناصر، حيث قد يتضاعف بمقدار 4 إلى 6 مرات بحلول عام 2040. هذا التوقع يدفع الدول إلى ضرورة الاستثمار في حلول مستدامة، بما في ذلك إعادة تدوير النفايات الإلكترونية، وتطوير تقنيات معالجة أكثر نظافة، وإبرام شراكات دولية متينة لضمان أمن سلاسل الإمداد.
وتلخص الخبيرة جين ناكانو من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية المشهد برمته بقولها: "عدم الاستثمار في هذا القطاع ستكون له كلفة باهظة، فالأمر لا يتعلق بالتكنولوجيا فحسب، بل بالنفوذ العالمي أيضاً".
___
المصدر بتصرف : البيان