إبادة شعب كامل: مأساة الهنود الحمر التي استمرت 500 عام ..الوجه الخفي لأمريكا.


تعد مأساة الهنود الحمر واحدة من أبشع الفصول في تاريخ البشرية، حيث تعرض السكان الأصليون للأمريكتين لعمليات إبادة منهجية استمرت لأكثر من خمسة قرون. منذ وصول كريستوفر كولومبوس إلى العالم الجديد عام 1492، بدأ تاريخ طويل من القتل، والعبودية، والاستيلاء على الأراضي، والتهميش، ولا تزال آثار هذه الفظائع قائمة حتى اليوم. في هذا المقال، سنستعرض مراحل الإبادة الجماعية التي تعرض لها الهنود الحمر، من الغزو الإسباني إلى السياسات الحديثة التي لا تزال تهمشهم.

إبادة شعب كامل: مأساة الهنود الحمر التي استمرت 500 عام ..الوجه الخفي لأمريكا.


1. عند وصول كولومبوس: بداية الكارثة (1492 - 1600)

عندما وصل كولومبوس إلى جزر الكاريبي عام 1492، كان يعيش في الأمريكتين عشرات الملايين من السكان الأصليين، موزعين على آلاف القبائل ذات الثقافات المتنوعة. استقبل هؤلاء السكان كولومبوس ورجاله بكرم، لكن الأوروبيين سرعان ما ردوا بالإبادة والاستعباد.

  • السياسات الاستعمارية والإبادة المبكرة
    بدأت عمليات الإبادة مع إجبار السكان الأصليين على العمل بالسخرة في مزارع وقلاع المستعمرين. استخدم الإسبان العنف الوحشي ضد السكان المحليين، وأجبروا الكثيرين منهم على التعدين لاستخراج الذهب والفضة. كما جلب الأوروبيون معهم أمراضًا لم يكن لدى السكان الأصليين مناعة ضدها، مثل الجدري والحصبة والإنفلونزا، مما أدى إلى انخفاض عددهم بشكل كارثي.

  • أول الإبادات الجماعية
    في جزيرة هيسبانيولا (حاليًا هايتي وجمهورية الدومينيكان)، حيث أسس كولومبوس أول مستعمرة أوروبية، قُتل نحو 90% من السكان الأصليين خلال بضعة عقود، بسبب العنف والأمراض والعمل القسري.



2. الغزو الأوروبي والاستيطان العنيف (1600 - 1800)

مع توسع الاستعمار الأوروبي في أمريكا الشمالية والجنوبية، ازداد العنف تجاه الهنود الحمر بشكل غير مسبوق.

  • السياسات البريطانية والفرنسية

في أمريكا الشمالية، بدأ المستعمرون البريطانيون والفرنسيون في الاستيلاء على أراضي القبائل الأصلية بالقوة. كانوا يعقدون معاهدات مع القبائل، ثم يخترقونها دون تردد. ومن أشهر الأمثلة "طريق الدموع" عام 1830، حيث أجبر آلاف من الشيروكي وغيرهم على السير لمسافات طويلة نحو الغرب، مما أدى إلى وفاة الآلاف بسبب الجوع والأمراض.

  • الحروب ضد الهنود الحمر
    واجهت القبائل الأصلية الاحتلال بالسلاح، ولكن تقنياتها الحربية لم تكن قادرة على الصمود أمام المدافع والبنادق الحديثة التي امتلكها الأوروبيون. خاضت قبائل مثل السيوكس والشيروكي والأباتشي حروبًا يائسة للدفاع عن أراضيها، لكن في النهاية تم سحقها بوحشية.


  • 3. الإبادة المنظمة في القرن التاسع عشر (1800 - 1900)

    مع استقلال الولايات المتحدة وتوسعها نحو الغرب، بدأت مرحلة جديدة من الإبادة المنظمة ضد السكان الأصليين.

    • "القدر المتجلي" والاستيلاء على الأراضي
      اعتنق الأمريكيون مفهوم "القدر المتجلي" (Manifest Destiny)، وهي عقيدة ترى أن الولايات المتحدة مقدر لها التوسع عبر القارة. أدى ذلك إلى طرد السكان الأصليين من أراضيهم بقوة السلاح أو عبر معاهدات زائفة.

    • مجازر مشهورة

      • مجزرة ووندد ني (1890): واحدة من أبشع المجازر في التاريخ الأمريكي، حيث قتلت القوات الأمريكية أكثر من 300 رجل وامرأة وطفل من قبيلة لاكوتا سيوكس بدم بارد.
      • مجزرة ساند كريك (1864): قتل فيها الجيش الأمريكي حوالي 200 من الشايان والأراباهو، معظمهم من النساء والأطفال.
    • المدارس الداخلية: محو الهوية الثقافية
      مع نهاية القرن التاسع عشر، بدأ نهج جديد للقضاء على هوية السكان الأصليين، حيث أُنشئت مدارس داخلية أجبر فيها الأطفال الهنود الحمر على ترك لغاتهم وعاداتهم واعتناق الثقافة الأمريكية بالقوة. كان الشعار الرئيسي لهذه المدارس: "اقتل الهندي، أنقذ الرجل".



    4. القرن العشرين: استمرار التهميش والقوانين العنصرية

    حتى بعد توقف المجازر المباشرة، استمرت سياسات التمييز والتهميش ضد الهنود الحمر.

    • حرمان من الحقوق السياسية
      حتى عام 1924، لم يكن الهنود الحمر يُعتبرون مواطنين أمريكيين، ولم يُمنحوا حقوق التصويت الكاملة إلا في الستينيات.

    • سرقة الأراضي والثروات
      في القرن العشرين، استمرت الحكومة الأمريكية في مصادرة أراضي السكان الأصليين واستغلال ثرواتهم، خاصة النفط والفحم، دون تعويض عادل.

    • الفقر والإدمان والتهميش
      تعاني العديد من القبائل الأصلية اليوم من معدلات عالية من الفقر والبطالة، فضلاً عن مشاكل اجتماعية مثل الإدمان والعنف الأسري، نتيجة قرون من القمع والاستغلال.



    5. الهنود الحمر في العصر الحديث: نضال مستمر من أجل الحقوق

    رغم الفظائع التي تعرضوا لها، لم يستسلم الهنود الحمر، وما زالوا يقاتلون من أجل حقوقهم وكرامتهم.

    • حركات المقاومة الحديثة
      في السنوات الأخيرة، شهدنا حركات احتجاجية كبيرة من قبل السكان الأصليين، مثل حركة "Standing Rock" عام 2016 التي ناضلت ضد إنشاء خط أنابيب نفط يهدد أراضيهم ومياههم.

    • إحياء الثقافات الأصلية
      تسعى العديد من القبائل اليوم لإعادة إحياء لغاتها وتقاليدها، وإنشاء مدارس تدرس الثقافة الأصلية، بعد عقود من محاولات محوها.

    • الاعتراف بالإبادة الجماعية
      في السنوات الأخيرة، بدأ بعض السياسيين والمنظمات الحقوقية بالمطالبة بالاعتراف بالإبادة الجماعية التي تعرض لها الهنود الحمر، والمطالبة بتعويضات قانونية عن الجرائم التي ارتكبت ضدهم.


    ---

    فيديو : الهنود الحمر..القصة الكاملة للشعب الذي سُرقت منه أرضه وحضارته




    ---


    خاتمة

    مأساة الهنود الحمر ليست مجرد فصل من الماضي، بل جرح ما زال مفتوحًا حتى اليوم. الإبادة التي استمرت خمسة قرون لم تقتصر على القتل المباشر، بل شملت أيضًا الاستعباد، والطرد من الأراضي، والتهميش الثقافي والاقتصادي. ومع ذلك، يواصل السكان الأصليون نضالهم من أجل استعادة حقوقهم والحفاظ على هويتهم. إن فهم هذه المأساة والتعلم منها هو خطوة أساسية نحو تحقيق العدالة التاريخية لشعب عانى كثيرًا ولكنه لم ينكسر أبدًا.


    ___


    المصادر :

    David E. Stannard - "American Holocaust: The Conquest of the New World"
    Howard Zinn - "A People's History of the United States
    Roxanne Dunbar-Ortiz - "An Indigenous Peoples' History of the United States
    مقال من موقع "Smithsonian Magazine" بعنوان "The Brutal History of the American West"