منذ نشأتها في تسعينيات القرن الماضي، مرت حركة الحوثيين بتحولات جذرية، من جماعة دينية صغيرة في صعدة إلى قوة إقليمية مؤثرة في منطقة الشرق الأوسط. كيف تمكنت هذه الحركة من تحقيق هذا التحول؟ وما هي العوامل التي ساهمت في صعودها؟
الجذور الدينية والاجتماعية
تأسست حركة الحوثيين في عام 1992 تحت اسم "الشباب المؤمن" على يد حسين بدر الدين الحوثي، الذي ينتمي إلى عائلة زيدية هاشمية. استندت الحركة في بداياتها إلى المذهب الزيدي، وهو فرع من الشيعة ينتشر في اليمن. يتميز المذهب الزيدي بكونه أقرب المذاهب الشيعية إلى المذهب السني، ويختلف عن المذهب الإثني عشري الشيعي السائد في إيران. ركزت الحركة على الدفاع عن الهوية الزيدية في مواجهة ما اعتبرته تهميشًا من قبل الحكومة المركزية، كما استغلت الحركة حالة الفقر والتهميش التي يعاني منها سكان المناطق الشمالية في اليمن، مما وفر لها قاعدة شعبية واسعة. في عام 2004، تحولت الحركة إلى جماعة مسلحة بعد اندلاع الصراع الأول مع الحكومة اليمنية.
الصراعات والتمردات
شهدت اليمن سلسلة من الصراعات والتمردات التي ساهمت في صعود الحوثيين. بدأت هذه الصراعات في عام 2004، عندما اندلعت الحرب الأولى بين الحوثيين والحكومة اليمنية. استمرت هذه الحروب لست سنوات، وتمكن الحوثيون خلالها من اكتساب الخبرة العسكرية وتوسيع نطاق سيطرتهم. في عام 2011، استغل الحوثيون حالة الفوضى التي أعقبت ثورات الربيع العربي في اليمن، وتمكنوا من السيطرة على محافظة صعدة بالكامل. في عام 2014، تمكن الحوثيون من السيطرة على العاصمة صنعاء، مما شكل نقطة تحول حاسمة في صعودهم.
الدعم الإقليمي والدولي
يتهم الحوثيون بتلقي الدعم من إيران، وهو ما ينفونه. ومع ذلك، فإن الدعم الإيراني للحوثيين، سواء كان ماليًا أو عسكريًا أو لوجستيًا، لعب دورًا هامًا في تعزيز قوتهم. كما استفاد الحوثيون من الصراعات الإقليمية والدولية، وتمكنوا من بناء علاقات مع قوى إقليمية ودولية مختلفة. في عام 2015، تدخل التحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن لدعم الحكومة اليمنية ضد الحوثيين، مما أدى إلى تحول الصراع إلى حرب إقليمية.
القدرات العسكرية والاستراتيجية
تمكن الحوثيون من تطوير قدراتهم العسكرية بشكل ملحوظ، وأصبحوا يمتلكون ترسانة كبيرة من الأسلحة، بما في ذلك الصواريخ والطائرات المسيرة. كما أظهر الحوثيون قدرة على التخطيط والتنفيذ لعمليات عسكرية معقدة، وتمكنوا من تحقيق انتصارات عسكرية مهمة. بالإضافة إلى ذلك، يمتلك الحوثيون استراتيجية إعلامية فعالة، ويستخدمون وسائل الإعلام الرقمي لنشر رسائلهم وتعبئة أنصارهم. في عام 2023، بدأ الحوثيون في استهداف السفن في البحر الأحمر، مما أثار قلقًا دوليًا واسعًا.
التأثير الإقليمي والدولي
أصبح الحوثيون قوة إقليمية مؤثرة في منطقة الشرق الأوسط، وتأثيرهم يتجاوز حدود اليمن. يهدد الحوثيون الأمن الإقليمي، ويشاركون في صراعات إقليمية ودولية مختلفة. كما يؤثر الحوثيون على الملاحة الدولية في البحر الأحمر، ويهددون التجارة العالمية. بالإضافة إلى ذلك، يشكل الحوثيون تحديًا للمجتمع الدولي، ويتطلب التعامل معهم استراتيجية دولية متكاملة.
التحديات والمستقبل
يواجه الحوثيون تحديات كبيرة، بما في ذلك التحديات العسكرية والاقتصادية والسياسية. كما يواجه الحوثيون تحديات في بناء دولة مستقرة في اليمن. ومع ذلك، فإن الحوثيين أثبتوا قدرتهم على التكيف مع التحديات، ومن المرجح أن يستمروا في لعب دور هام في اليمن والمنطقة في المستقبل.
في الختام، فإن تحول الحوثيين من جماعة دينية صغيرة إلى قوة إقليمية هو نتيجة لمجموعة من العوامل، بما في ذلك الجذور الدينية والاجتماعية، والصراعات والتمردات، والدعم الإقليمي والدولي، والقدرات العسكرية والاستراتيجية. ومن المرجح أن يستمر الحوثيون في لعب دور هام في اليمن والمنطقة في المستقبل.
___
المصدر : مواقع رقمية