موضوع مختصر عن المَلِك الظاهر بيبرس - الامير الفهد مُحرر الإسلام .

الامير الفهد ركن الدين بيبرس
بدأ مملوكاً يباع في أسواق بغداد والشام وانتهى به الأمر أحد أعظم السلاطين في العصر الإسلامي الوسيط

عظماء الامة الاسلامية 

إعتادت الامة الاسلامية أن تنجب العظماء،هذه حقيقة أساسية،فلا تمر  100 عام من الزمان،إلا و يولد مجدد لهذه الامة،كما تولد العنقاء من رماد النار،و تبقى الراية مرفوعة حتى آخر الزمان،وأبطالها يولدون من كل ارض،و يموتون كحضارة شامخة،دثر الزمان فناءها،و لكن إسمها يبقى كشعلة لهب خالدة لا تُطفؤ حتى آخر يوم من قصة الارض و الحياة .
في هذا الموضوع المختصر و المشرق على صفحات التاريخ،سنضع لكم قصة الأسير الذي خلص الاسلام من الأسر،قصة الملك الظاهر بيبرس،الامير الفهد

مكان مولد بيبرس 

و لد بيبرس و كبر في منطقة تعرف حاليا باسم كازاخستان،وكان من الشركس الذين يعود أصلهم للقوقاز و القرم،و قد اختلف في أصله، فبينما تذكر جميع المصادر العربية ،أنه تركي من القبجاق (كازاخستان حالياً)،فإن بعض الباحثين المسلمين في العصر الحديث يشيرون إلى أن مؤرخي العصر المملوكي من عرب ومماليك كانوا يعتبرون الشركس من الترك، وأنهم كانوا ينسبون أي رقيق مجلوب من مناطق القوقاز والقرم للقبجاق.

معنى إسم بيبرس 

بيبرس اسم تركي مؤلف من "بي"  أي أمير و " برس" أي فهد، 

من حياة الرِق الى أمير.

لم يعش بيبرس مع والدته،لأنه خُطف و بيع في اسواق بيع الرقيق،فاشتراه والي حماه،و الذي أعاد بيعه لتاجر بدمشق،بسبب مشكلة عيناه.فقد كان يمتلك عينان زرقاوان، إحداهما اكشف من الاخرى، فاشتراه الامير علاء الدين البندقداري، ثم ضمه الملك الايوبي الصالح نجم الدين أيوب لطاقم خدمته ، بعدها أُعجب الملك نجم الدين به و بشخصيته الفذة و شجاعته و صوته القوي،فأعتقه و منحه لقب أمير، 

أولى بصمات بيبرس في تاريخ الامة الاسلامية 

في يوم من الايام كتب الله لبيبرس ان يضع بصمته الاولى في تاريخه كبطل،حيث ظهرت بطولته في معركة المنصورة عام 647 هجرية والموافق ل 1250 ميلادية ،حين حاصر قوات "الكونت آرتو" في أحياء مدينة المنصورة،وقام بالقضاء عليهم جميعا.
وبعد وفاة السلطان نجم الدين ايوب و تولي توران شاه ابن ايوب الصالح الحكم، حيكت المكائد ضد توران و تم اغتياله بمشاركة بيبرس.و بعدها تم تنصيب الملكة شجرة الدر كملكة على مصر.

هروبه من مصر و تعيينه أميرا لنابلس

بعد تولي شجرة الدر الحكم ،كان هذا بداية لفتنة كبيرة،ففي عام 1254م، دار صراع كبير بين الملك عز الدين أيبك و قائد القوات البحرية فخر الدين أقطاي،وانتهى هذا الصراع بمقتل أقطاي.و هرب حينها بيبرس مع جميع القوات البحرية تجنبا من انتقام ايبك.فهرب الى الشام ،فكان ينتقل من إمارة الى أخرى، فيخالط الامراء و يتعلم منهم،حتى مَنَ الله عليه وعُين أميرا لنابلس.

عودته الى مصر ، و معركة عين جالوت

لما دخل التتار الى الشام و سقطت في ايديهم،عاد بيبرس الى مصر و التي كان يحكمها السلطان قطز بعد ان تخلص من شجرة الدر ،فجمع قطز ما تبقى من القوات البحرية،واكرمهم وأحسن لبيبرس واعطاه منطقة قليوب و مايحيط بها،و عينه وزيرا و رفع من شانه و قدره.
فاتحد المسلمون بقيادة السلطان قطز و القائد بيبرس في معركة عين جالوت،وذلك في أكتوبر 1260م،و التي كان النصر فيها حليفا للمسلمين،و نجح في انقاذ الشام من التتار و تطهيرها منهم كليا.

سلطانا لمصر ، و السيطرة على الحكم 

بعد مقتل السلطان سيف الدين قطز بمؤامرة حيكت ضده و شارك فيها بيبرس ،اجتمع المماليك لاختيار الحاكم الجديد للبلاد بعد قطز، فاقتُرِح بيبرس ان يكون هو السلطان الجديد، فوافقو على ذلك،و تولى الحكم في نوفمبر من عام 1260م. واختار لقبا لنفسه باسم الظاهر بيبرس.و كان لقّبه ركن الدين بيبرس و هو لقب اختاره له الملك الصالح أيوب في دمشق.
بعد توليه الحكم انقلب عليه حاكم مدينة دمشق الذي ضم حمص و حلب و حماه و انفصل عن السلطنة بالقاهرة، فذهب بيبرس اليه و تمكن من السيطرة عليه و ذلك في يناير من عام 1261م.

و لما عاد للقاهرة فوجئ بانقلاب الكَوْرَانِي الذي كانت رغبته بعودة الدولة الفاطمية، و الكوراني كان أصله من بلاد فارس، إذ  تمكن من الوصول لمخازن الاسلحة و سرق الكثير منها، فحاصره بيبرس و قبض عليه، و بهذا انتهت اي صلة للفاطميين بالعودة الى مصر.

مشاريع الظاهر بيبرس

تفرغ الظاهر ركن الدين بيبرس بعد ذلك لتأمين الطريق الواصل بين مصر و الشام،و عمل على تقوية و تطوير الاسطول البحري،و قام ببناء المدرسة الظاهرية في دمشق عام 1277م،و بني أيضا القناطير و السدود و حفر التُرع، و اخترع مقياسا لمستوى النيل،لكي ينهض بالزراعة و التجارة،و طور خدمة البريد لتستعمل في التجارة و الحروب، و أصلح الازهر الشريف و أعاد الصلاة فيه،و قام بالعديد من الترميمات الواسعة في المسجد النبوي،واهتم بمسجد الخليل ابراهيم عليه السلام،ومسجد قبة الصخرى ببيت المقدس، وانشأ دار العدل ،واصلح دار خالد ابن الوليد رضي الله عنه ، واقام التحالفات و المعاهدات مع عدد من الملوك و الحكام من البلاد المحيطة بمصر،و حارب الصليبيين في الشام، مما دفع قادة الصليبيين للصلح مع بيبرس،خوفا من بطشه و قوته،و غزى أنطاكيا عام 1268م،واستطاع تحريرها من يد الصليبيين، كما نجح بيبرس أيضا في القضاء على آخر بقايا التتار عام 1276م.
و استمر بالعمل و الكفاح من أجل رفعة الامة الاسلامية و بقاء راية قوتها ترفرف في الاعلى.

و فاة الظاهر بيبرس 

توفي الظاهر بيبرس يوم الخميس 27 محرم من عام 676 هجرية - 2 مايو 1277 ميلادية ودفن في المكتبة الظاهرية في دمشق بعد حكم دام 17 سنة، تولى من بعده الحكم أكبر أولاده ناصر الدين، إلا أن أولاد بيبرس لم يدم لهم الحكم طويلاً، ثم تولى الحكم المنصور قلاوون.

من صفات الظاهر بيبرس 

أهم ما كان يتصف به بيبرس هو الشجاعة والإقدام والدهاء والقوة، والكرم وحب الخير والإحسان إلى الفقراء. وإكرام العلماء وسماع نصائحهم والسكوت على مخاشنتهم له في النصح – كما كان يفعل معه عز الدين بن عبد السلام، والنووي.
وصف بأنه كان يتنقل في ممالكه فلا يكاد يشعر به عسكره إلا وهو بينهم. وقيل عنه أنه ما كان يتوقف عن شيء لبلوغ غايته. ليحمل فيها قوى الحصون على الاستسلام له.وكان نجاحه يعتمد على تنظيمه وسرعته وشجاعته اللامتناهية.

هذا باختصار حياة الملك الظاهر ركن الدين بيبرس العلائي البُنْدُقْدارِي الصالحي النجمي و لقب بـأبي الفتوح. سلطان مصر والشام ورابع سلاطين الدولة المملوكية ومؤسسها الحقيقي، بدأ مملوكاً يباع في أسواق بغداد والشام وانتهى به الأمر أحد أعظم السلاطين في العصر الإسلامي الوسيط
احد ابرز الشخصيات في تاريخ الامة الاسلامية،و بالرغم ما عليه من أخطاء، إلا ان محاسنه غلبت كل ذلك و غطت عيوبه،فرحمه الله و جزاه عن ماقدمه للاسلام و الامة جمعاء خير جزاء.